فصل: مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم ومعنى الكنز وسبب نفي أبي ذر والأشهر الحرم واختلاف السّنين وعدد أيامها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أنفسهم وغيرهم لقاء ما يأخذونه منهم من حطام الدّنيا، مع أن الواجب عليهم ألّا يفعلوا شيئا من ذلك، لأن الأحبار بمثابة العلماء العاملين، والرّهبان بمثابة المشايخ الصّوفية الكاملين المتقيدين بحدود اللّه، وكلمة كثير تفيد أن القليل منهم لا يفعل ذلك بل يجمع لنفسه وغيره منه ويتقيد بأوامره ونواهيه {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [34] يوم القيمة {يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} ويقال لهم حين يفعل بهم ذلك {هذا} جزاء وعقاب وعذاب {ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} من الذهب والفضة التي لم تؤدوا حق اللّه منها {فَذُوقُوا} وبال تضييعكم حق اللّه وعدم إعطائه لفقرائه جزاء {ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [35] في دنياكم، وفي هذا معنى الذم لمالهم ذلك لأنهم لم ينتفعوا به.
والكنز يطلق على الجمع وغيره، راجع [الآية 267] من سورة البقرة الدّالة على فرضية الزكاة، وهذه الآية عامة في كلّ من ذلك شأنه، لأنها نزلت في مانعي الزكاة، وإن ورودها بسياق ذم أهل الكتاب الّذين يأخذون أموال النّاس بالباطل لا يخصصها فيهم، روى مسلم عن زيد بن وهب قال مررت بالربذة فإذا بأبي ذر، فقلت ما أنزلك بهذا المنزل؟ قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب، فقلت نزلت فينا وفيهم.
فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن أقدم إلى المدينة، فقدمتها، فكثر علي النّاس حتى كأنهم لم يروني من قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال إن شئت تنحيت قريبا، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّر عليّ عبد حبشي لسمعت وأطعت، يريد رضي اللّه عنه إفهامهم بأن عثمان رضي اللّه عنه نفاه إلى ذلك المكان وأن طاعته واجبة عليه.
ومعنى الكنز ما روي عن ابن عمر قال أعرابي أخبرني عن قول اللّه تعالى عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} إلخ. قال ابن عمر من كنزها فلم يؤدّ زكاتها ويل له، وهذا كان قبل أن تنزل آية الزكاة، فلما نزلت جعلها اللّه طهرا للأموال أخرجه البخاري.
وفي رواية مالك عن عبد اللّه بن دينار قال سمعت عبد اللّه بن عمر قال كلّ مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا.
وهذا هو الحكم الشّرعي في ذلك، وإن مانع الزكاة يدخل في هذا الوعيد.

.مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم ومعنى الكنز وسبب نفي أبي ذر والأشهر الحرم واختلاف السّنين وعدد أيامها:

أخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال صلّى اللّه عليه وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلّا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي اللّه بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنّة وإما إلى النّار.
قيل يا رسول اللّه فالإبل؟ قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها إلّا إذا كان يوم القيمة يبطح لها بقاع قرقر (المستوي من الأرض الواسعة الملساء) أوفر مما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا فتطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنّة وإما إلى النار، قيل يا رسول اللّه والبقر والغنم؟ قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء (ملتوية القرنين) ولا حلجاء (لا قرون لها) ولا عضباء (مكسورة القرنين) تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مرّ عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنّة وإما إلى النّار.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من آتاه اللّه مالا فلم يؤدّ زكاته مثل له ماله شجاع أقرع (حيّة مسنّة) له زبيبتان (شعرتان) في شدقيه يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهمزتيه (العظمان النّاتئان من لحييه) يعني شدقيه، ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا قوله تعالى: {ولا تحسبن الّذين يبخلون} [الآية 180] من آل عمران المارة.
وفي موطأ مالك من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول له أنا كنزك.
وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال انتهيت إلى النّبي صلّى اللّه عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة، قال فجئت حتى جلست فلم أتقار حتى قمت فقلت يا رسول اللّه فداك أبي وأمي من هم قال هم الأكثرون أموالا إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت أولاها حتى يقضى بين النّاس.
ورويا عن الأحنف بن قيس قال قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب خشن الجسد خشن الوجه فقام عليه فقال بشّر الكافرين برحف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه، ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثديه، يتزلزل قال فرفع القوم رءوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا، قال فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم، فقال إن هؤلاء لا يعقلون شيئا، قلت من هذا قالوا أبو ذر، قال فقمت إليه فقلت ما شيء سمعتك تقول من قبل؟ فقال ما قلت إلا شيئا سمعته من رسول اللّه نبيهم صلّى اللّه عليه وسلم.
والرّضف هو الحجارة المحماة، والغض بالضم والفتح غرضوف الكتف، والغرضوف كلّ عظم رخص يؤكل كمارن الأنف ورءوس الأضلاع ورهابة الصّدور وداخل قوف الأذن ونغض الكتف (والقوف هو أعلى الأذن أو مستدار سمعها) وجاء في حديث عمر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال له ألا أخبرك بخير ما يكنز المرأة الصّالحة التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. أخرجه أبو داود.
وجاء عن ثوبان أن بعض الأصحاب سأل حضرة الرّسول عن خير المال قال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه- أخرجه الترمذي- قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ} قدرها على ما هي عليه الآن {يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} فجعلها لكل سنة وأيّام السّنة ثلاثمائة وخمسون يوما وربع يوم تقريبا بحسب الهلال، فتنقص السّنة الهلالية عن الشّمسية عشرة أيّام وثلث اليوم تقريبا، ويسبب هذا النّقص تدور السنة الهلالية، فيقع الحج والصّوم تارة في الصّيف، وطورا في الخريف، ومرة في الشّتاء، وأخرى في الرّبيع بحيث يدوران في كلّ يوم من أيّام السّنة ويعودان للمركز الذي كانا فيه في كلّ ثلاث وثلاثين سنة وثلث السّنة مرة، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في [الآية 16] من سورة الحجر و[الآية 13] من الإسراء بصورة مفصلة فراجعها {مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} واحد فرد وهو رجب وثلاثة مرة وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي محترمة في الجاهلية والإسلام زادها اللّه حرمة وتعظيما وجعل الحسنات فيها مضاعفة وكذلك السّيئات لما فيها من انتهاك حرمتها، راجع الآية الخامسة المارة، من حرمتها أنه إذا وجد الرّجل قاتل ابنه أو سالب أو هانك عرضه لا يتعرض له، ولهذا فإن الّذين بينهم شيء من ذلك لا ينقطعون عن مكة فيها فيجلبون لهم الطّعام والألبسة ويبيعونهم إياها، لأن أهالي مكة دائما محتاجون للقوت واللّباس من أهل البلاد الآخرين، ولعل هذا أحد أسباب التحريم رحمة بأهالي مكة لئلا ينقطع عنهم الجلب ولو من أعدائهم {ذلِكَ} جعل الشّهور اثني عشر أحدا للسنّة وتخصيص أربعة منها بالحرمة هو {الدِّينُ الْقَيِّمُ} الذي سنة اللّه لعباده وأراد بقاءه ودوامه على مر السّنين بلا تغيير ولا تبديل ولا تحويل، وان تعظيم الحرم فيها من مقتضيات الدّين الذي تعبدنا اللّه به.
الحكم الشّرعي:
وجوب التقيد بمراسم الحج والصّوم والأخذ بهذا الحساب من أجلها واتخاذ الأعياد التي سنت فيها وإجراء المعاملات على حسبها لما فيها من قوام الأمر بين اللّه والنّاس، وان التغيير والتبديل والتحويل يسبب الظّلم للنفس وللغير، ومن المهلكات في الدّنيا والآخرة، ولهذا قال اللّه تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أيها النّاس فتقدموا بعض الأشهر على بعض أو تضعوا شهرا مكان الآخر كما فعله من قبلكم حال جاهليتهم {وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} فتعاونوا وتناصروا على قتلهم ولا تفرقوا وتخاذلوا فتفشلوا وتجبنوا، بل كونوا يدا واحدة على قلب واحد متكاتفين متعاونين على قتال أعدائكم، فإذا كنتم كذلك فإن اللّه تعالى يبشركم بالفوز ويضمن لكم النّصر والظّفر إذا اتقيتموه بقوله عز قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [36] مناهية المتبعين أوامره ومن يكن اللّه معه ينصره ويخذل عدوه في الأشهر الحرم وغيرها، لأن الكفرة إذا قاتلوا المؤمنين فيها جاز لهم قتالهم فيها كما هي الحال في الحرم أيضا، راجع الآيتين 191، 217 من سورة البقرة المارة.
قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ} التأخير من شهر محرم إلى غير محرم الذي كان يفعله الجاهلية {زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ} لا يجوز لأحد أن يفعله أبدا، إذ لا مبرر له، وأما ما كان من زعم الجاهلية وفعلهم التأخير فإنه كان حال كفرهم وتجردهم من الدّين وعدم معرفتهم الحلال من الحرام، فكان عملهم يزيد في كفرهم وقد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم اختلاقا، وذلك أنهم كانوا إذا حاربوا واستداموا في الحرب حتى جاءهم شهر حرام ولم ينتهوا من حربهم بعد يحلونه ويحاربون فيه ويحرمون شهرا بدله تبعا لهواهم، ولذلك ذم اللّه صنيعهم هذا وجعله من الإضلال بعد الضّلال، فقال عز قوله: {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من قبل كبارهم فيحملون على ذلك بعضهم فيوافقوهم على ضلالهم، وكان عليهم إذا حل الشّهر الحرام أن يتركوا الحرب ويتعاهدوا أمورهم ويتفاوضوا بينهم ويتداولوا بما يفضي إلى الصّلح حقنا للدماء، لأن اللّه تعالى لم يحرم القتال في هذه الأشهر عبثا ولا لعبا، وإنما لغايات سامية تكون في منفعة النّاس، وقد نشأ هذا الضّلال لأنهم {يُحِلُّونَهُ} أي ذلك الشّهر الحرام {عامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عامًا} آخر إذا لم يصادف حربا، ثم يبدلون الأشهر ويحورونها {لِيُواطِؤُا} يوافقوا ويماثلوا {عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ} من إبقائها على حالها أربعة بمواقعها {فَيُحِلُّوا} بفعلهم هذا {ما حَرَّمَ اللَّهُ} من الأشهر ويحرموا بدلها مما أحله اللّه بحسب ما تسول لهم أنفسهم، وهؤلاء قوم {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ} فظنوها حسنة وهي في غاية من القبح ونهاية من الخبث وزيادة في الكفر {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} [37] إلى الصّواب بل يضلهم ويعميهم عنه لركونهم للاعوجاج وميلهم له اختيارا ورضى به ورغبة فيه عن طيب نفس، ونائب فاعل زين هو الشّيطان الذي يلقي في قلوبهم النّجسة أمثال هذه المخالفات فيعملونها.
واعلم أنه لا يجوز إنقاص أشهر السّنة عن هذا العدد، ولا إنقاص الأشهر الحرم منها أو تبديلها لورود النّص القاطع فيه، لأن نقصها وزيادتها مخالف لأمر اللّه تعالى، أما ما تعمله اليهود من نقص عدد أشهر بعض السّنين وزيادتها في بعضها فهو من جملة مخالفاتهم لأوامر أنبيائهم وكتابهم وتحريفهم ما جاء عن اللّه تعالى فيكفيهم ما ذمهم اللّه به في القرآن العظيم في آيات عديدة وليس بعد ذم اللّه ذم، فمن تسول له نفسه الاقتداء بفعلهم هذا فليشاركهم بغضب اللّه عليهم في الدّنيا وعذابهم في الآخرة وبهما كفاية له ولأمثاله.
روى البخاري ومسلم عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السّموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مفرد الذي بين جمادى وشعبان.
أي حافظوا عليها ولا تبدلوا أو تؤخروا أو تحوروا فتخالفوا أمر اللّه فتسترجبوا غضبه.
واعلم أن أول من سنّ التأخير في الأشهر الحرم نعيم بن ثعلبة وتبعه فيه قومه ومنهم جنادة بن عوف الذي أدرك رسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلم، وآخر ملوكهم القلمس وهو الذي أخر المحرم عن وقته من أجل السّبب المتقدم ذكره وفيه يقول الكميت:
ونحن النّاسئون على معدّ ** شهور حلّ نجعلها حراما

وهذا من باب الافتخار الجاهلي لأنهم كانوا لا يبالون بأن يفتخروا بالقتل والسّبي والتحريم والتحليل، كما يفتخرون بالكرم والشّجاعة والفصاحة، لأنهم لا يتقيدون بدين يمنعهم عن ذلك، ولا عادة يذمون بها، لذلك فإن افتخارهم بما هو مباح كافتخارهم بما هو محرم على حد سواء، وكلّ منهما عندهم مما يفتخر به.

.مطلب في المجاهدين وما ذكره اللّه من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} تباطئتم عن تلبية الأمر حالا ولم تسرعوا للاجابة وملتم إلى الإخلاد {إِلَى الْأَرْضِ} والمكث فيها وكراهية الذهاب للجهاد في سبيل الله: {أَرَضِيتُمْ} أيها المؤمنون الأعزاء الكرام {بِالْحَياةِ الدُّنْيا} الدنيئة واغتررتم بزخارفها المموّهة الفانية وآثرتموها {مِنَ الْآخِرَةِ} الباقية ذات النّعيم الدّائم، فتبّا وخسرا لمن آثر ما يفنى على ما يبقى، وآثر القعود على الجهاد {فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي} جنب الحياة {الْآخِرَةِ} مستمرة الرّاحة عظيمة الاستراحة {إِلَّا قَلِيلٌ} [38] جدا، أخرج مسلم عن المسور قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم واللّه ما الدّنيا من الآخرة إلّا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر بم يرجع.